الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: إذا ظـهر بأحد الزوجين جنون، أو جذام، أو برص، فللآخر فسخ النكاح، لكن إذا رضي بعد ظهور العيب فلا فسخ له. وإذا فسخت فليس لها أن تأخذ شيئا من جهازها، وإن فسخت قبل الدخول سقط مهرها، وإن فسخت بعدها لم يسقط.
فأجاب: الحمد للّه، إذا ظهر أن الزوج مجذوم. فللمرأة فسخ النكاح بغير اختيار الزوج. واللّه أعلم.
/ فأجاب: هذا عيب يثبت به فسخ النكاح في أظهر الوجهين في مذهب أحمد وغيره؛ لوجهين: أحدهما: أن هذا مما لا يمكن الوطء معه إلا بضرر يخافه وأذي يحصل له. والثاني: إن وطء المستحاضة عند أحمد في المشهور عنه لا يجوز، إلا لضرورة. وما يمنع الوطء حسا: كاستداد الفرج. أو طبعا كالجنون، والجذام: يثبت الفسخ عند مالك والشافعي وأحمد، كما جاء عن عمر. وأما ما يمنع كمال الوطء كالنجاسة في الفرج، ففيه نزاع مشهور، والمستحاضة أشد من غيرها. وإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه، وإن فسخ بعده، قيل: إن الصداق يستقر بمثل هذه الخلوة، وإن كان قد وطأها فإنه يرجع بالمهر على من غره. وقيل: لا يستقر، فلا شيء عليه، وله أن يحلف من ادعى الغرور عليه أنه لم يغره. ووطء المستحاضة فيه نزاع مشهور. وقيل: يجوز وطؤها، كقول / الشافعي وغيره. وقيل: لا يجوز إلا الضرورة؛ وهو مذهب أحمد في المشهور عنه. وله الخيار ما لم يصدر عنه ما يدل على الرضا بقول أو فعل، فإن وطأها بعد ذلك فلا خيار له، إلا أن يدعي الجهل: فهل له الخيار؟فيه نزاع مشهور، والأظهر ثبوت الفسخ. واللّه أعلم.
فأجاب: له فسخ النكاح، وله أن يطالب بأرش الصداق ـ وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب فينقص بنسبته من المسمي ـ وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر. واللّه أعلم.
فأجاب: الحمد للّه، الحديث معروف من مراسيل علي بن الحسين ـ رضي اللّه عنهما ـ وغيره. ولفظه: (ولدت من نكاح، لا من سفاح، لم يصبني من نكاح الجاهلية شيء) فكانت مناكحهم في الجاهلية على أنحاء متعددة.
فأجاب: كانت مناكحهم في الجاهلية على أنحاء متعددة: منها نكاح الناس اليوم. وذلك النكاح في الجاهلية صحيح عند جمهور العلماء، وكذلك سائر مناكح أهل الشرك التي لا تحرم في الإسلام، ويلحقها أحكام النكاح الصحيح: من الإرث، والإيلاء، واللعان، والظهار، وغير ذلك. وحكي عن مالك أنه قال: نكاح أهل الشرك ليس بصحيح. ومعني هذا عنده: أنه لو طلق / الكافر ثلاثا لم يقع به طلاق، ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا فتزوجها ذمي ووطئها لم يحلها عنده، ولو وطئ ذمي ذمية بنكاح لم يصر بذلك محصنا. وأكثر العلماء يخالفونه في هذا. وأما كونه صحيحا في لحوق النسب، وثبوت الفراش: فلا خلاف فيه بين المسلمين، فليس هو بمنزلة وطء الشبهة، بل لو أسلم الزوجان الكافران أقرا على نكاحهما بالإجماع، وإن كانا لا يقران على وطء شبهة، وقد احتج الناس بهذا الحديث على أن نكاح الجاهلية نكاح صحيح. واحتجوا بقوله: وقال ـ رَحمه اللّه تعالى: في صحيح البخاري قال: قال عطاء عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: كانوا مشركين أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركين أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه. وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح؛ فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه. فإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران، ولهما ما للمهاجرين، ثم ذكر في أهل العهد مثل حديث مجاهد، وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم ترد، وردت أثمانهم. وقال عطاء عن ابن عباس: كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر بن الخطاب؛ وطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وكانت أم الحكم ابنة أبي سفيان تحت عياض بن غنيم الفهري فطلقها فتزوجها عبد اللّه بن عثمان. /ثم ذكر في باب بعده: وقال ابن جريج: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاض زوجها منها لقوله تعالى: قلت: حديث ابن عباس فيه فصول: أحدها: أن المهاجرة من أهل الحرب ليس عليها عدة، إنما عليها استبراء بحيضة، وهذا أحد قولي العلماء في هذه المسألة؛ لأن العدة فيها حق للزوج كما قال اللّه تعالى: الثاني: أن زوجها إذا هاجر قبل النكاح ردت إليه وإن كانت قد حاضت، ومع هذا فقد روي البخاري بعد هذا عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه. وما ذكره ابن عباس في المهاجرة يوافق المشهور من أن زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ردت على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول. وقد كتبت في الفقه في هذا آثاراً ونصوصاً عن الإمام أحمد وغيره. /الثالث: قوله: إن المهاجر من عبيدهم يكون حراً له ما للمهاجرين، كما في قصة أبي بكرة ومن هاجر معه من عبيد أهل الطائف، وهذا لا ريب فيه؛ فإنه بالإسلام والهجرة ملك نفسه؛ لأن مال أهل الحرب مال إباحة، فمن غلب على شيء ملكه؛ فإذا غلب على نفسه فهو أولى أن يملكها، والإسلام يعصم ذلك. الرابع: أن المهاجر من رقيق المعاهدين، يرد عليهم ثمنه دون عينه؛ لأن ما لهم معصوم، فهو كما لو أسلم عبد الذمي يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق، فإن فعل وإلا بيع عليه، ولا يرد عينه عليهم؛ لأنهم يسترقون المسلم، وذلك لا يجوز، بخلاف رد الحر إليهم فإنهم لا يسترقونه؛ ولهذا لما شرط النبي صلى الله عليه وسلم رد النساء مع الرجال فسخ الله ذلك، وأمره ألا يرد النساء المسلمات فقال:
/ فأجاب: الحمد اللّه، نكاح الكتابية جائز بالآية التي في المائدة، قال تعالى: أحدها: أن أهل الكتاب لم يدخلوا في المشركين، فجعل أهل الكتاب غير مشركين بدليل قوله: /فإن قيل: فقد وصفهم بالشرك بقوله: قيل: إن أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك؛ فإن اللّه إنما بعث الرسل بالتوحيد، فكل من آمن بالرسل والكتب لم يكن في أصل دينهم شرك ولكن النصاري ابتدعوا الشرك، كما قال: /الوجه الثاني: أن يقال: إن شملهم لفظ: {الْمُشِرِكِينَ} من سورة البقرة كما وصفهم بالشرك، فهذا متوجه بأن يفرق بين دلالة اللفظ مفرداً ومقرونا؛ فإذا أفردوا دخل فيهم أهل الكتاب، وإذا أقرنوا مع أهل الكتاب لم يدخلوا فيهم، كما قيل مثل هذا في اسم [الفقير] و[المسكين] ونحو ذلك. فعلى هذا يقال: آية البقرة عامة، وتلك خاصة. والخاص يقدم على العام. الوجه الثالث: أن يقال: آية المائدة ناسخة لآية البقرة؛ لأن المائدة نزلت بعد البقرة باتفاق العلماء، وقد جاء في الحديث: (المائدة من آخر القرآن نزولا، فأحلوا حلالها، وحرموا حرامها)، والآية المتأخرة تنسخ الآية المتقدمة إذا تعارضتا. وأما قوله:
فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، وطء [الإماء الكتابيات] بملك اليمين أقوي من وطئهن بملك النكاح عند عوام أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم، ولم يذكر عن أحد من السلف تحريم ذلك كما نقل عن بعضهم المنع من نكاح الكتابيات، وإن كان ابن المنذر قد قال: لم يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم نكاحهن. ولكن التحريم هو قول الشيعة، ولكن في كراهة نكاحهن مع عدم الحاجة نزاع، والكراهة معروفة في مذهب مالك والشافعي وأحمد، وكذلك كراهة وطء الإماء فيه نزاع. روي عن الحسن: أنه كرهه. والكراهة في ذلك مبنية /على كراهة التزوج. وأما التحريم فلا يعرف عن أحد، بل قد تنازع العلماء في جواز تزويج الأمة الكتابية: جوزه أبو حنيفة وأصحابه، وحرمه مالك والشافعي والليث والأوزاعي، وعن أحمد روايتان: أشهرهما كالثاني؛ فإن اللّه ـ سبحانه ـ إنما أباح نكاح المحصنات بقوله تعالى: وأما الأمة المجوسية فالكلام فيها ينبني على أصلين: أحدهما: أن نكاح المجوسيات لا يجوز، كما لا يجوز نكاح الوثنيات. وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وذكره الإمام أحمد عن خمسة من الصحابة في ذبائحهم ونسائهم، وجعل الخلاف في ذلك من جنس خلاف أهل البدع. والأصل الثاني: أن من لا يجوز نكاحهن لا يجوز وطئهن بملك اليمن كالوثنيات، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وحكي عن أبي ثور: أنه قال: يباح وطء الإماء بملك اليمين على أي دين كن. / وأظن هذا يذكر عن بعض المتقدمين. فقد تبين أن في وطء الأمة الوثنية نزاعا. وأما الأمة الكتابية فليس في وطئها مع إباحة التزوج بهن نزاع، بل في التزوج بها خلاف مشهور. وهذا كله مما يبين أن القول بجواز التزوج بهن مع المنع من التسري بهن لم يقله أحد ولا يقوله فقيه. وحينئذ فنقول: الدليل على أنه لا يحرم التسري بهن وجوه: أحدها: أن الأصل: الحل، ولم يقم على تحريمهن دليل من نص ولا إجماع ولا قياس، فبقي حل وطئهن على الأصل؛ وذلك أن ما يستدل به من ينازع في حل نكاحهن كقوله: الثاني: أن قوله تعالى: /الثالث: أن يقال: قد أجمع العلماء على حل ذلك كما ذكرناه، ولم يقل أحد من المسلمين: إنه يجوز نكاحهن، ويحرم التسري بهن، بل قد قيل: يحرم الوطء في ملك اليمين حيث يحرم الوطء في النكاح. وقيل: يجوز التزوج بهن. فعلم أن الأمة مجمع على التسري بها، ولم يكن أرجح من حل النكاح، ولم يكن دونه. فلو حرم التسري دون النكاح كان خلاف الإجماع. الرابع: أن يقال: إن حل نكاحهن يقتضي حل التسري بهن من طريق الأولى والأحرى؛ وذلك أن كل من جاز وطؤها بالنكاح جاز وطؤها بملك اليمين بلا نزاع. وأما العكس فقد تنازع فيه؛ وذلك لأن ملك اليمين أوسع، لا يقتصر فيه على عدد، والنكاح يقتصر فيه على عدد. وما حرم فيه الجمع بالنكاح قد نوزع في تحريم الجمع فيه بملك اليمين، وله أن يستمتع بملك اليمين مطلقا من غير اعتبار قسم ولا استئذان في عزل، ونحو ذلك مما حجر عليه فيه لحق الزوجة. وملك النكاح نوع رق، وملك اليمين رق تام. وأباح اللّه للمسلمين أن يتزوجوا أهل الكتاب، ولا يتزوج أهل الكتاب نساءهم؛ لأن النكاح نوع رق، كما قال عمر: النكاح رق؛ فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته. وقال زيد ابن ثابت: الزوج سيد في كتاب اللّه، وقرأ قوله تعالى: يوضح ذلك: أن المانع: إما الكفر، وإما الرق. وهذا الكفر ليس بمانع، والرق ليس مانعا من الوطء بالملك؛ وإنما يصلح أن يكون مانعا من التزوج. فإذا كان المقتضي للوطء قائما، والمانع منتفيا، جاز الوطء. فهذا الوجه مشتمل على قياس التمثيل وعلى قياس الأولى ويخرج منه وجه رابع يجعل قياس التعليل. فيقال: الرق مقتض لجواز وطء المملوكة، كما نبه النص على هذه العلة كقوله: الوجه الخامس: أن من تدبر سير الصحابة والسلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وجد آثاراً كثيرة تبين أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك مانعا، بل هذه كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه: مثل الذي كانت له أم ولد، وكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يقتلها، / وقد روي حديثها أبو داود وغيره. وهذه لم تكن مسلمة، لكن هذه القصة قد يقال: إنه لا حجة فيها؛ لأنها كانت في أوائل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ولم يكن ـ حينئذ ـ يحرم نكاح المشركات، وإنما ثبت التحريم بعد الحديبية لما أنزل اللّه تعالى: بل من يبيح وطأ الوثنيات بملك اليمين، قد يستدل بما جري يوم أوطاس من قوله: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة) على جواز وطء الوثنيات بملك اليمين. وفي هذا كلام ليس هذا موضعه، والصحابة لما فتحوا البلاد لم يكونوا يمتنعون عن وطء النصرانيات.
وأما المجوسية، فقد ذكرنا أن الكلام فيها مبني على أصلين: أحدهما: أن المجوس لا تحل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم والدليل على هذا وجوه: أحدها: أن يقال: ليسوا من أهل الكتاب، ومن لم يكن من أهل الكتاب لم يحل طعامه ولا نساؤه. أما المقدمة الأولي، ففيها نزاع شاذ فالدليل عليها أنه ـ سبحانه ـ قال: وأيضا، فإنه قال: وأيضا، ففي المسند والترمذي وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والمغازي الحديث المشهور: لما اقتتلت فارس والروم، وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون؛ لأنهم من جنسهم ليس لهم كتاب، واستبشر بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون النصاري أقرب إليهم؛ لأن لهم كتابا، وأنزل اللّه تعالى: وأيضا، ففي حديث الحسن بن محمد بن الحنفية وغيره من التابعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس، وقال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم)، وهذا مرسل. / وعن خمسة من الصحابة توافقه، ولم يعرف عنهم خلاف. وأما حذيفة، فذكر أحمد: أنه تزوج بيهودية. وقد عمل بهذا المرسل عوام أهل العلم. والمرسل في أحد قولي العلماء حجة، كمذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وفي الآخر هو حجة إذا عضده قول جمهور أهل العلم وظاهر القرآن، أو أرسل من وجه آخر. وهذا قول الشافعي. فمثل هذا المرسل حجة باتفاق العلماء. وهذا المرسل نص في خصوص المسألة، غير محتاج إلى أن يبني على المتقدمين. فإن قيل: روي عن على: أنه كان لهم كتاب فرفع. قيل: هذا الحديث قد ضعفه أحمد وغيره، وإن صح فإنه إنما يدل على أنه كان لهم كتاب فرفع، لا أنه الآن بأيديهم كتاب، وحينئذ فلا يصح أن يدخلوا في لفظ أهل الكتاب؛ إذ ليس بأيديهم كتاب، لا مبدل، ولا غير مبدل، ولا منسوخ، ولا غير منسوخ، ولكن إذا كان لهم كتاب ثم رفع، بقي لهم شبهة كتاب، وهذا القدر يؤثر في حقن دمائهم بالجزية إذا قيدت بأهل الكتاب. وأما الفروج والذبائح، فحلها مخصوص بأهل الكتاب. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب)، دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما أمر أن يسن بهم سنتهم في أخذ الجزية خاصة، كما فعل ذلك الصحابة، فإنهم لم يفهموا من هذا اللفظ إلا هذا الحكم. وقد روي مقيدا: (غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم) فمن جوز أخذ الجزية من أهل الأوثان قاس / عليهم غيرهم في الجزية، ومن خصمهم بذلك قال: إن لهم شبهة كتاب بخلاف غيرهم. والدماء تعصم بالشبهات ولا تحل الفروج والذبائح بالشبهات، ولهذا لما تنازع على وابن عباس في ذبائح بني تغلب قال على: إنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر. وقرأ ابن عباس قوله تعالى:
فأجاب: الحمد لله، إذا ارتد ولم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدة امرأته، فإنها تبين منه عند الأئمة الأربعة. وإذا طلقها بعد ذلك، فقد طلق أجنبية فلا يقع بها الطلاق. فإذا عاد إلى الإسلام فله أن يتزوجها. وإن طلقها في زمن العدة قبل أن يعود إلى الإسلام، فهذا فيه قولان / للعلماء: أحدهما: أن البينونة تحصل بنفس الردة، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك في المشهور عنه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه. فعلى هذا يكون الطلاق بعد هذا طلاق الأجنبية فلا يقع. والثاني: أن النكاح لا يزول حتى تنقضي العدة، فإن أسلم قبل انقضاء العدة، فهما على نكاحهما. وهذا مذهب الشافعي، وأحمد في الرواية الأخرى عنه. فعلى هذا إذا كان الطلاق في العدة، وعاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة، تبين أنه طلق زوجته، فيقع الطلاق. وإن كان لم يعد إلى الإسلام حتى انقضت العدة، تبين أنه طلق أجنبية، فلا يقع به الطلاق. والله أعلم. / وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: ويكره للرجل أن يصدق المرأة صداقًا يضر به إن نقده، ويعجز عن وفائه إن كان دينًا. قال أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: / إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال: (على كم تزوجتها؟) قال: على أربع أواق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على أربع أواق فكأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسي أن نبعثك في بعث تصيب منه). قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس فبعث ذلك الرجل فيهم. رواه مسلم في صحيحه. والأوقية عندهم أربعون درهمًا، وهي مجموع الصداق، ليس فيه مقدم ومؤخر. وعن أبي حدرد السلمي: أنه ذكر أنه تزوج امرأة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في صداقها، فقال: (كم أصدقت؟) قال: فقلت: مائتي درهم. فقال: (لو كنتم تغرفون الدراهم من أوديتكم ما زدتم). رواه الإمام أحمد في مسنده. وإذا أصدقها دينًا كثيرًا في ذمته وهو ينوي ألا يعطيها إياه، كان ذلك حرامًا عليه، فإنه قد روي أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تزوج امرأة بصداق ينوي ألا يؤديه إليها فهو زان، ومن ادان دينًا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق). وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر، وهم لا يقصدون أخذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه، فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة. /وإن قصد الزوج أن يؤديه وهو في الغالب لا يطيقه فقد حمل نفسه، وشغل ذمته، وتعرض لنقص حسناته، وارتهانه بالدين، وأهل المرأة قد آذوا صهرهم وضروه. والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار: أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحوًا من تسعة عشر دينارًا، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصداق، قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه: كان صداقنا إذ كان فينا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق، وطبق بيديه. وذلك أربعمائة درهم. رواه الإمام أحمد في مسنده، وهذا لفظ أبي داود في سننه، وقال أبو سلمة: قلت لعائشة: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشًا. قالت: أتدري ما النش؟قلت: لا. قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم. رواه مسلم في صحيحه، وقد تقدم عن عمر أن صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نحوًا من ذلك، فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين. وهذا مع القدرة واليسار. فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة. /والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض، فهو جائز. وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبد الرحمن ابن عوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب. قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث. وزوج سعيد بن المسيب بنته على درهمين، وهي من أفضل أيم من قريش، بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبي أن يزوجها به. والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء، فإنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول، لم يكونوا يؤخرون منه شيئا. ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقًا كثيرًا فلا بأس بذلك، كما قال تعالى:
فأجاب: وأما ما يقدمه الزوج للمرأة من النقد الذي اتفقوا عليه غير الصداق الذي يكتب في الكتاب إذا أعطاها الزوج ذلك أو بعضه أو / بدله، فإنه لا يحسب عليها من الصداق المكتوب، بل لو لم يعطها ذلك لكان لها أن تطلبه في أظهر قولي العلماء، وكان من الصداق الذي يستقر بالموت تأخذه كله بعد موته؛ فإنها إذا رضيت بأن يكون لها مقدم ومؤخر ـ يسميه السلف عاجلاً وآجلاً ـ وشارطته على أن يقدم لها كذا ويؤخر كذا ـ وإن لم تذكر حين العقد ـ فالشرط المتقدم على العقد إذا لم يفسخ حين عقد العقد كالمشروط في أظهر قولي العلماء. كما قد بسط الكلام على ذلك في الكتاب الكبير الذي صنفته في [مسائل الذرايع والحيل] و [بيان الدليل على بطلان التحليل] إلا أن يكون المراد أنه إذا دخل بها يعطيها قبل الدخول ذلك، فإذا لم يدخل بها لم تستحق ما شرط لها تعجيله قبل الدخول.
فأجاب: الحمد لله، إن كانا قد اتفقا على العاجل المقدم والآجل المؤخر ـ كما جرت به العادة ـ فللزوجة أن تطلب المؤخر كله إن لم يذكر المعجل في العقد، وكذلك إن كان قد أهدي لها كما جرت به العادة. وأما إن كان أقبضها من الصداق المسمي حسب على الزوجة. والله أعلم.
/ فأجاب: إذا لم يعرف له مال حلفه الحاكم على إعساره وأطلقه. ولم يجز حبسه وتكليفه البينة والحالة هذه في المذاهب الأربعة.
فأجاب: ليس له ذلك، بل عليه كمال المهر، كما قال زرارة، وقضي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون: أن من أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجبت عليه العدة والمهر. والله أعلم.
/ فأجاب: إذا كانوا قد وفوا بما اتفقوا عليه، ولم يمنعوه من نكاحها حتى ماتت فلا شيء عليهم، وليس له أن يسترجع ما أعطاهم، كما أنه لو كان قد تزوجها استحقت جميع الصداق، وذلك لأنه إنما بذل لهم ذلك ليمكنوه من نكاحها وقد فعلوا ذلك، وهذا غاية الممكن.
فأجاب: إذا علمت أنها مزوجة ولم تستشعر؛ لا موته، ولا طلاقه، فهذه زانية مطاوعة لا مهر لها. وإذا اعتقدت موته وطلاقه فهو وطء شبهة بنكاح فاسد فلها المهر، وظاهر مذهب أحمد ومالك أن لها المسمي؛ وعن أحمد رواية أخرى كقول الشافعي أن لها مهر المثل. والله أعلم.
/ فأجاب: إذا كان معسرًا قسط عليه الصداق على قدر حاله، ولم يجز حبسه، لكن أكثر العلماء يقبلون قوله في الإعسار مع يمينه، وهو مذهب الشافعي وأحمد. ومنهم من لا يقبل البينة إلا بعد الحبس، كما يقوله من يقوله من أصحاب أبي حنيفة. فإذا كانت الحكومة عند من يحكم بمذهب الشافعي وأحمد لم يحبس.
فأجاب: إذا كانت الصورة على ما ذكر لم يجز لها أن تطالب إلا ما اتفقا عليه، وأما ما ذكر على الوجه المذكور فلا يحل لها المطالبة به، بل يجب لها ما اتفقا عليه.
|